السؤال ١-١ : ما هي العوامل التي تُحدّد مناخ الأرض؟
السؤال ١-١
ما هي العوامل التي تُحدّد مناخ الأرض؟
إن النظام المناخي نظام معقد ومتفاعل يتألف من الغلاف الجوي واليابسة والثلج والجليد والمحيطات وأجزاء أخرى من الماء، بالإضافة إلى كائنات حية مختلفة. وغالباً ما يميز الغلاف الجوي المناخ, ويعرف المناخ على أنه «معدّل الطقس». ويتم وصف المناخ بالنظر إلى تقلبية الحرارة والتهطال والهواء، وإلى نسبتها خلال فترة زمنية محددة تمتد من أشهر إلى ملايين السنين (المدة الكلاسيكية هي ٣٠ عاماً). يتطور النظام المناخي مع الوقت تحت تأثير دينامياته الداخلية وبفعل التغيّرات في العوامل الخارجية التي يتأثر المناخ بها (تسمى التأثيرات). وتشمل التأثيرات الخارجية الظواهر الطبيعية كالثوران البركاني والتقلبات الشمسية إلى جانب التقلبات في الغلاف الجوي البشرية المنشأ. وفي الواقع، يقوي الإشعاع الشمسي النظام المناخي. ويمكن أن يتغيّر توازن الأرض الإشعاعي من خلال ثلاثة أساليب أساسية: أولاً، عبر تغيير ورود الإشعاع الشمسي (كالتغيّرات في حلقات الأرض أو في الشمس بحد ذاتها), وثانياً، من خلال تغيير إنكسار الإشعاع الشمسي (المسمّى البياض)، (ونذكر، على سبيل المثال، التغيّرات في غطاء السحب وفي جزئيات الغلاف الجوي أو النباتات), وثالثاً، عبر تعديل إشعاع الموجات الطويلة من الأرض في إتجاه الفضاء (أي، من خلال تعديل تركيزات غاز الدفيئة). وبدوره، يستجيب المناخ مع مثل هذه التغيّرات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال عدة آليات إرتدادية.
يصل مجموع الطاقة الواردة إلى سطح الغلاف الجوي للأرض على مساحة متر مربع مقابل الشمس خلال النهار إلى ١٫٣٧٠ واط في الثانية. أما مجموع الطاقة الواردة إلى المتر المربع الواحد في الثانية حول الكرة الأرضية فيبلغ ربع هذا الرقم (راجع الرسم ١). والجدير بالذكر أن ٣٠% من ضوء الشمس الوارد إلى الغلاف الجوي ينعكس مجدداً إلى الفضاء. ويعود مرد ثلثي هذا الإنعكاس تقريباً إلى الغيوم وإلى الجزئيات في الغلاف الجوي التي تعرف بـ«الهباء الجوي». أما الثلث المتبقي فتعكسه بقع الأرض الفاتحة اللون, وهي الثلج والجليد والصحارى على وجه التحديد. وينتج التغيّر الأخطر في إنعكاس الهباء الجوي من جراء المواد التي تقذفها البراكين عالياً جداً في الغلاف الجوي. وينظّف المطر الهباء الجوي للغلاف الجوي خلال أسبوع أو أسبوعين، غير أن المواد المنبعثة من بركان قوي متخطية أعلى السحب، تؤثر بشكل كبير على المناخ زهاء سنة أو إثنتين قبل أن تسقط إلى الطبقة السفلى من الغطاء الجوي وتنتقل بعدها إلى الأرض مع التهطال. وبالتالي، يمكن أن تؤدي البراكين الكبيرة إلى نقص درجة الحرارة السطحية العالمية النسبية بنسبة نصف درجة مئوية, ومن الممكن أن يدوم هذا النقص عدة أشهر أو سنوات. أضف إلى ذلك أن بعض أنواع الهباء الجوي البشرية المنشأ تعكس الضوء الشمسي.
ويمتص الغلاف الجوي والأرض الطاقة التي لا تنعكس مجدداً إلى الفضاء. ويبلغ مجموع هذه الطاقة تقريباً ٢٤٠ واط للمتر المربع الواحد. وينبغي أن تعكس الأرض كمية الطاقة عينها التي تصلها إلى الفضاء بغية إقامة توازن مع الطاقة الواردة إليها. وتنفذ الأرض هذه العملية من خلال إرسال إشعاع طويل الموج. وفي الواقع، يبعث كل شيء على سطح الأرض إشعاعاً طويل الموج, وهذه هي الطاقة الحارة التي يشعر الفرد بإنبعاثها من حريق ما, وكلما إزدادت حرارة الشيء، إزدادت الطاقة الحارة المنبعثة. ويجب أن تبلغ حرارة الأرض ١٩ درجة مئوية كي تتمكن من إصدار ٢٤٠ واط للمتر المربع الواحد. وفي حقيقة الأمر، إن هذه الدرجة أبرد من الشروط المتوفّرة على سطح الأرض (حيث تبلغ درجة الحرارة السطحية العالمية ١٤ درجة مئوية). غير أن الحرارة الضرورية التي تقل عن ١٩ درجة مئوية تتواجد على إرتفاع خمسة كيلومتر عن سطح البحر.
ويعود سبب هذا الإرتفاع في حرارة الأرض إلى الغازات الناتجة عن الدفيئة التي تعمل كغطاء جزئي يحجب الإشعاع الطويل الموج المنبعث من الأرض. ويعرف هذا الغطاء بإسم الآثار الطبيعية للدفيئة. وأهم غازات الدفيئة هو بخار الماء وثاني أكسيد الكربون. وفي الوقع، لا يملك النيتروجين والأكسيجين، وهما المكونان الرئيسيان للغلاف الجوي، هذا المفعول. وفي المقابل، ينتج عن السحب مفعول يشبه مفعول الغازات المنبعثة من الدفيئة, غير أن إنعكاسهما يضع حداً لهذا المفعول إذ غالباً ما تبرد السحب المناخ (مع العلم أن وجودها يشعر المرء بالحرارة حيث تكون الليالي المليئة بالسحب أحر من الليالي الصافية لأن السحب تعكس الطاقة الطويلة الموج مجدداً إلى سطح الأرض). وتعزز النشاطات الإنسانية المفعول هذا الحاجب بسبب إبتعاث الغازات من الدفيئة. وقد ازداد حجم ثاني أكسيدد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة ٣٥٪ في الحقبة الصناعية بسبب النشاطات البشرية، ومنها، على وجه التحديد، إحتراق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات. وبالتالي، تسبب الإنسان بتغيير التركيبة الكيميائية للغلاف الجوي العام وبتأثير كبير على المناخ.
وبسبب شكل الأرض الدائري, تصل الطاقة الشمسية إلى الأماكن الواقعة على خطوط الإستواء أكثر مما تصل إلى الأماكن الواقعة على خطوط العرض حيث يضرب ضوء الشمس الغلاف الجوي في زاوية أكثر إنخفاضاً. وتنتقل الطاقة من الأماكن الإستوائية إلى الأماكن الواقعة على خطوط العرض من خلال دوران الغلاف الجوي والمحيطات بما فيها أنظمة الإعصار. والطاقة ضرورية لتبخر الماء من البحر ومن طبقة الأرض, وتنبعث هذه الطاقة المسماة الحرارة النائمة عندما يتركز بخار المياه في السحب (راجع الرسم ١). ينتج دوران الغلاف الجوي بشكل أساسي بسبب ابتعاث هذه الحرارة النائمة. وبدوره، يتسبب دوران الغلاف الجوي بدوران المحيط بسبب حركة السحب على سطح مياه المحيط وبسبب التغيّر في حرارة سطح المحيط ونسبة ملوحته من جراء التهطال والتبخر.
إن أنماط دوران الغلاف الجوي شرقية غربية وليست شمالية جنوبية بسبب دوران الأرض. أما الرياح الغربية الواقعة في خط العرض الوسطي فتشكل أنظمة خاصة بالطقس تنقل الحرارة من وإلى القطبين. إن أنظمة الطقس هذه هي نفسها أنظمة الضغط العالي والمنخفض المألوفة المتنقلة، بالإضافة إلى خطوط إلتقائها الدافئة والباردة. وبسبب التباينات في حرارة سطح الأرض والمحيط والعوائق كسلاسل الجبال والغلاف الجليدي, تتعلق أمواج الغلاف الجوي في نظام الدوران جغرافياً بالمحيطات والجبال، على الرغم من إمكانية تبدّل سعتها مع الوقت. وبسبب أنماط الموج، يمكن أن يرتبط شتاء بارد في أميركا الشمالية بشتاء دافئ في مكان أخر في الجزء الثاني من الكرة الأرضية. وستتأثر أوجه دوران الغلاف الجوي والمحيطات بشكل بارز بالتغيّرات الحاصلة في شتى مميزات النظام المناخي، مثل حجم الغطاء الجليدي ونوع النباتات وتوزعها أو حرارة المحيط والغلاف الجوي.
وهناك العديد من الآليات الإرتدادية في المناخ التي يمكن أن تعزز (التأثير التفاعلي الإيجابي) أو تقلّص (التأثير التفاعلي السلبي) مفاعيل التغيّر التأثير المناخي. وعلى سبيل المثال, إن إرتفاع تركيز غازات الدفيئة يؤدي إلى مناخ أرضي دافئ فيبدأ الثلج والجليد بالذوبان. ويُظهر هذا الذوبان أراضٍ ومياه داكنة كانت تحت الجليد والثلج وكانت تمتص الكثير من حرارة الشمس، مسبّبةً بذلك المزيد من الإحترار، ما يؤدي إلى مزيد من الذوبان، وهكذا دوليك، وتبقى الأرض في دورة تعزز نفسها بنفسها. وتعزز هذه الحلقة الإرتدادية المعروفة بالتأثير التفاعلي لجليد البياض الإحترار الأولي المتأتي من إرتفاع مستويات غازات الدفيئة. لقد كان رصد التأثير التفاعلي في المناخ وفهمه وتحليله موضوع بحث العلماء بغية حل تعقيدات مناخ الأرض.