السؤال ١-٣ : ما هو مفعول الدفيئة؟
السؤال ١-٣
ما هو مفعول الدفيئة؟
تقوي الشمس مناخ الأرض من خلال إشعاع طاقة موجات طويلة صغيرة في المنطقة المرئية أو شبه المرئية (كالإشعاع ما فوق البنفسجي) من الطيف. يتم عكس ثلث الطاقة الشمسية التي تصل إلى سطح الغلاف الجوي للأرض تقريباً مباشرة إلى الفضاء, أما الثلثان المتبقيان فيمتصهما السطح أو الغلاف إلى حد أدنى. ومن أجل المحافظة على الطاقة الواردة التي تم إمتصاصها، ينبغي أن تعاود الأرض إشعاع الكمية عينها من الطاقة إلى الفضاء. وتقوم الأرض بإشعاع الطاقة على موجات طويلة وأكبر وبشكل أساسي في منطقة الأشعة تحت الحمراء من الطيف, لأن الأرض أكثر برودة من الشمس (راجع الرسم ١). معظم الإشعاعات الحرارية التي يتم إصدارها من الأرض ومن المحيط يمتصها الغلاف الجوي بالإضافة إلى السحب، ومن ثم يعاد إشعاعها إلى الأرض مجدداً, وهذا ما يطلق عليه إسم الدفيئة. وتقلّص الجدران الزجاجية تدفق الهواء داخل الدفيئة وترفع حرارة الهواء في داخلها. يقوم مفعول الدفيئة في الأرض بعمل مماثل، أي بتسخين طبقة الكرة الأرضية ولكن من خلال عملية فيزيائية مختلفة. ومع غياب مفعول الدفيئة في الطبيعة سينخفض معدّل حرارة سطح الأرض إلى ما دون نقطة تجمّد المياه. فيساهم مفعول الدفيئة الطبيعي في الأرض في جعل الحياة التي نعرفها ممكنة, غير أن النشاط الإنساني، وبالأخص حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات، قد فاقم مفعول الدفيئة كثيراً وأدّى إلى الإحترار العالمي.
ولا ينتج الغازان الأكثر تواجداً في الغلاف الجوي أي النيتروجين والأكسيجين مفعول الدفيئة (ويشكل النيتروجين ٧٨٪ من الغلاف الجوي الجاف بينما يشكل الأكسيجين ٢١٪ منه). وفي المقابل، يتأتى مفعول الدفيئة من الجزئيات الأكثر تعقيداً والأقل عمومية. ويشكّل بخار الماء غاز الدفيئة الأهم، ويليه أهمية ثاني أكسيد الكربون. وتساهم بعض الغازات الأخرى الموجودة في الغلاف الجوي بكميات قليلة في إحداث مفعول الدفيئة وتشمل هذه الغازات الميثان والأكسيد النتري والأوزون. ويكون مفعول الدفيئة قوياً في المناطق الإستوائية الرطبة حيث يبلغ تبخّر الماء نسباً مرتفعة، فتؤثر زيادة كمية صغيرة من ثاني أكسيد الكربون ومن بخار الماء تأثيراً بسيطاً على الأشعة ما دون الحمراء التي تضرب الأرض, غير أن زيادة بسيطة في ثاني أكسيد الكربون أو بخار الماء في المناطق القطبية الجافة والباردة تتمتع بتأثير أكبر بكثير. وكذلك هو الحال في الغلاف الجوي العلوي الجاف والبارد حيث تؤثر زيادة بسيطة في تبخر الماء على مفعول الدفيئة في حين لا تؤثر هذه الزيادة كثيراً إذا ما حصلت بالقرب من الأرض.
ويتأثر تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بعدد من مكوّنات النظام المناخي خاصة بالمحيطات وبالكائنات الحيّة. وخير دليل على ذلك هي النباتات التي تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحوّله (مع الماء) إلى كربوهيدرات من خلال التمثيل الضوئي. في الحقبة الصناعية، زاد نشاط الإنسان غازات الدفيئة في الغلاف الجوي بسبب حرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات على وجه الخصوص.
وتعزز إضافة غازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون مفعول الدفيئة، وبالتالي تساهم في مضاعفة الإحترار المناخي للأرض. ويرتبط مستوى الإحترار بآليات التأثير التفاعلي. وعلى سبيل المثال، مثلما ينتج إرتفاع حرارة الغلاف الجوي عن إرتفاع مستويات غازات الدفيئة، يزيد تركّز تبخر الماء مفعول الدفيئة. ويؤدي هذا الأمر إلى مزيد من الإحترار، ما يتسبب بزيادة إضافية لتبخر الماء ضمن حلقة تعيد تعزيز نفسها بنفسها. وبإستطاعة التأثير التفاعلي لبخار الماء أن يكون قوياً لدرجة يتضاعف من خلالها مفعول الدفيئة بسبب زيادة ثاني أكسيد الكربون وحده.
وتشمل آليات تأثير تفاعلي أخرى وهامة السحب. تمتاز السحب بقدرتها على إمتصاص الأشعة ما دون الحمراء، وهي بالتالي تؤدي مفعول الدفيئة بشكل كبير وبذلك تساهم في إحترار الأرض. كما تقوى السحب على إعادة عكس الإشعاع الشمسي وبالتالي على تبريد الأرض. ويؤدي أي تغيير في أي جانب من السحب كالشكل والموقع وكمية مياهها وعلوها وحجم الجزئيات فيها وشكلها ومدة حياتها إلى تبدّل درجة تبريد الأرض وتسخينها. إذ تؤدي بعض التغيّرات إلى تعزيز الإحترار في حين تساهم أخرى في تقليصه. يتم إجراء العديد من الدراسات في الوقت الراهن من أجل فهم كيفية تغيّر الغيوم كرد على إحترار المناخ وكيفية تأثير هذه التغييرات في المناخ من خلال عدة آليات تأثير تفاعلي.