يساهم النشاط الإنساني في تغيّر المناخ من خلال التسبب بتغيّرات في الغلاف الجوي للأرض وفي كميات غازات الدفيئة والهباء الجوي وزيادة الغيوم. ويشكل حرق الوقود الأحفوري أهم هذه النشاطات لأنه يرفع ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. وتؤثر غازات الدفيئة والهباء الجوي في المناخ من خلال مزج الإشعاع الشمسي الوارد بالأشعة ما دون الحمراء التي سيعاد عكسها، وهو الأمر الذي يؤمن توازن طاقة الأرض. ويمكن أن يؤدي التغيّر في غزارة الغلاف الجوي أو في مبادئ هذه الغازات والجزئيات إلى تسخين النظام المناخي أو تبريده. ولم ينتج عن النشاط البشري منذ بدء الثورة الصناعية في السبعينيات من القرن الماضي إلا تأثير واحد هو الإحترار. وقد تسارع التأثير البشري على المناخ في هذه الحقبة بسبب تغيّرات في الآليات العادية مثل:
غازات الدفيئة:
ينتج عن النشاطات البشرية تسرّب أربعة غازات دفيئة أساسية هي: ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز والهلوكربون (وهو مجموعة غازات تحتوي على الفلويورين والكلورين والبرومين). تتجمع هذه الغازات في الغلاف الجوي وتتسبب بزيادة تركيزها مع الوقت. وقد سجّلت زيادات ملحوظة لهذه الغازات في الحقبة الصناعية (راجع الرسم ١) وتنسب كافة هذه الزيادات إلى النشاطات البشرية.
• لقد إزداد ثاني أكسيد الكربون نتيجة الوقود الأحفوري المستعمل في النقل وفي البناء في المكيّفات الهوائية وفي صناعة الإسمنت وسلع أخرى. وتبعث إزالة الغابات ثاني أكسيد الكربون وتقلّص قدرة النباتات على إمتصاصه. كما ينبعث ثاني أكسيد الكربون من عمليات طبيعية أخرى كتلاشي بعض الكائنات النباتية.
• لقد إزداد الميثان نتيجة النشاطات البشرية المتصلة بالزراعة وتوزيع الغاز الطبيعي ودفن الأشياء في باطن الأرض. كما ينبعث الميثان من عمليات طبيعية تحصل على سبيل المثال في الأراضي الرطبة. لا تتزايد تركيزات الميثان في الوقت الراهن في الغلاف الجوي لأن معدّلات الزيادة قد انخفضت على مدى العقدين المنصرمين.
• ينبعث أكسيد النيترس أيضاً بسبب النشاطات الإنسانية مثل استعمال الأسمدة وحرق الوقود الأحفوري, كما ينبعث من عمليات أخرى في التربة والمحيطات.
• لقد تنامت تركيزات الهلوكربون بنسبة كبيرة بسبب النشاطات الإنسانية، ونتيجة العمليات الطبيعية أيضاً لكن بنسبة أقل. وتشمل الهلوكربونات الكلوروفلورو كربون (مثل -11 CFC و CFC -12) الذي جرى إستعمالها كثيراً كعوامل تجليد وفي العمليات الصناعية الأخرى قبل أن يكتشف العلماء أن وجودها يؤدي إلى استنزاف الجزء الأعلى من الغلاف الجوي للأوزون. وأخذت غزارة غازات الكلوروفليوكربون تنخفض في الآونة الأخيرة بفضل التعديلات الدولية من أجل حماية طبقة الأوزون.
• يشكل الأوزون أحد غازات الدفيئة التي يتم إنتاجها وتدميرها بإستمرار نتيجة التفاعلات الكيميائية. ولقد زادت النشاطات الإنسانية نسبة الأوزون في الجزء الأعلى من الغلاف الجوي من خلال نفث بعض الغازات كمونوكسيد الكربون والهيدروكربون وأكسيد النيتروجين التي تتفاعل كيميائياً وتنتج الأوزون. ويدمر الأوزون الناتج عن النشاطات الإنسانية الأوزون في الجزء الأعلى من الغلاف الجوي، وقد تسبب بثقب الأوزون فوق القطب الجنوبي.
• ينتج بخار الماء غاز الدفيئة الأكثر غزارة وأهمية في الغلاف الجوي. وتجدر الإشارة إلى أن النشاط البشري لا يؤثر إلا قليلاً على كمية بخار الماء في الغلاف الجوي. ويملك البشر القدرة على التأثير على بخار الماء بطريقة غير مباشرة من خلال تغيير المناخ فعلياً. وعلى سبيل المثال، يحتوي غلاف جوي أكثر حرارة على كمية أكبر من بخار الماء. كما تؤثر النشاطات البشرية على بخار الماء عبر غاز HC٤ الذي تبثه, ويؤدي هذا الغاز إلى تدمير كيميائي في الجزء الأعلى من الغلاف الجوي عبر إصدار كميات قليلة من بخار الماء.
• يشكل الهباء الجوي جزئيات صغيرة تتواجد في الغلاف الجوي بأحجام وتركيز وتركيبات كيميائية مختلفة. بعض الهباء الجوي يتم بثه مباشرة في الغلاف الجوي في حين يتشكل جزء أخر من خلال التركيبات الصادرة. يشمل الهباء الجوي التركيبات الطبيعية والتركيبات الناتجة عن النشاط البشري. لقد زاد إحتراق الوقود الأحفوري والكتلة الأحيائية من تركيبات الكبريت في الهباء الجوي إلى جانب التركيبات العضوية والكربون الأسود. وأدّت نشاطات الإنسان في المناجم وفي العمليات الصناعية إلى تزايد الغبار في الغلاف الجوي. ويحتوي الغلاف الجوي الطبيعي على الغبار المعدني الناتج عن الأرض وعن ملح البحر في الهباء الجوي وعن الإنبعاثات البيوجينية من الأرض والمحيطات والكبريت, بالإضافة إلى غبار الهباء الجوي الناتج عن الإنفجارات البركانية.
عوامل التأثير الإشعاعي التي تتضرر بسبب نشاط الإنسان
لقد تم توضيح المساهمات في التأثير الإشعاعي من جراء بعض العوامل المتأثرة بنشاط الإنسان في الرسم ٢. وتعكس النتائج مجمل التأثيرات المتعلقة بالحقبة الصناعية (منذ العام ١٧٥٠). لقد إزدادت تأثيرات كافة غازات الدفيئة. إن الغازات الناتجة عن الإنسان إيجابية إذ يمتص كل غاز منها الإشعاع ما دون الأحمر الصادر إلى الغلاف الجوي. وقد أدّت زيادة ثاني أكسيد الكربون, من بين غازات الدفيئة كلها, إلى إحداث أكبر تأثير إبان هذه المرحلة. وقد ساهم أوزون الطبقة السفلى من الغلاف الجوي بالإحترار في حين أدّى إنخفاض أوزون الجزء الأعلى من الغلاف الجوي إلى التبريد.
تؤثر سلائف الهباء الجوي في التأثير الإشعاعي من خلال عكس الإشعاعات ما دون الحمراء والشمسية في الغلاف الجوي ومن خلال إمتصاصه. تنتج بعض الأهباء الجوية تأثيراً إيجابياً في حين تتسبب أخرى بتأثير سلبي. أما التأثير الإشعاعي المباشر الحاصل في كافة أشكال الهباء الجوي فهو سلبي. ويتسبب الهباء الجوي بطريقة غير مباشرة بتأثير إشعاعي سلبي من خلال التغيّرات التي يحدثها في خصائص السحب.
لقد بدّلت نشاطات الإنسان طبيعة سطح الأرض منذ الحقبة الصناعية من جراء التغيّرات في النباتات والمراعي والغابات والأراضي الزراعية بشكل رئيسي. كما عدّلت النشاطات البشرية الخصائص الإشعاعية للثلج والجليد. وفي المحصلة, يبدو أن إنعكاس الإشعاعات الشمسية يجري بنسب أكبر على سطح الأرض نتيجة النشاطات البشرية. ويؤدي هذا التغيير إلى تأثيرٍ سلبي.
السؤال ٢-١، إطار ١: ما هو التأثير الإشعاعي؟
ما هو التأثير الإشعاعي؟ غالباً ما يتم تقييم تأثير عاملٍ قادرٍ على تغيير المناخ، كغاز الدفيئة، من حيث تأثيره الإشعاعي. والتأثير الإشعاعي هو قياس يعكس كيفية تأثّر توازن الطاقة في نظام الأرض-الغلاف الجوي عند تغيّر العوامل المؤثّرة بالمناخ. وتُستعمل مفردة «إشعاعي» لأن تلك العوامل تغيّر التوازن بين الإشعاع الشمسي الوارد والإشعاع ما دون الأحمر الخارج في الغلاف الجوي. ويسيطر هذا التوازن على حرارة سطح الأرض. أما مفردة «تأثير» فتشير إلى إبتعاد توازن الأرض الإشعاعي عن حالته الطبيعية.
ويتم تحديد كمية التأثير الإشعاعي عادة على اعتبار أنه نسبة تغيّر الطاقة للوحدة المكانية الواحدة على الكرة الأرضية تُقاس في أعلى الغلاف الجوي، بالواط للمتر المربّع الواحد (راجع الرسم ٢). عندما يتم تقييم التأثير الإشعاعي الناتج عن عامل واحد أو عدة عوامل على أنه تأثير إيجابي، تزيد طاقة نظام الأرض-الغلاف الجوي في النهاية، الأمر الذي سيؤدي إلى إحترار النظام. والعكس صحيح، فبوجود تأثير إشعاعي سلبي، تنخفض الطاقة في النهاية، ما يؤدي إلى تبريد النظام. أما التحديات الهامة التي سيواجهها علماء المناخ فتكمن في تحديد كافة العوامل المؤثرة بالمناخ والآليات التي تولّد عبرها تأثيراً، وذلك بغية تحديد كمية التأثير الإشعاعي لكل من العوامل ومن أجل تقييم إجمالي التأثير الإشعاعي الناتج عن مجموعة العوامل.
وتحدث السفن الهوائية تركيز نزر خطيّة في المناطق التي تتمتع بحرارة منخفضة وبرطوبة مرتفعة. وتعرّف الآثار الترسبية بأنها نوع من السحب العالية التي تعكس الإشعاع الشمسي وتمتص الإشعاع ما دون الأحمر. لقد ضاعفت هذه السحب الخطية الناتجة عن عمليات السفن الكونية من نسبة الغيوم كما يتوقع أن تنتج تأثيراًً إشعاعياً إيجابياً بسيطاً.
التأثير الإشعاعي الناتج عن التغيّرات الطبيعية
تحدث التأثيرات الطبيعية من جراء التغيّرات الشمسية والإنفجارات البركانية. لقد تكاثرت المخرجات الشمسية تدريجياً إبان الثورة الصناعية محدثة تأثيراً إشعاعياً إيجابياً بسيطاً (راجع الرسم ٢). وذلك إلى جانب التغيّرات الدورية في الإشعاع الشمسي التي تتبع دورة ١١ عاماً. ترفع الطاقة الشمسية درجة حرارة النظام المناخي مباشرة كما يمكنها أن تؤثر على غزارة بعض غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، مثل الأوزون الستراتوسفيري. تستطيع الإنفجارات البركانية أن تنتج تأثيرات سلبية قصيرة العمر (من سنتين إلى ٣ سنوات) عبر الزيادات المؤقتة لكبريت الهباء الجوي في الستراتوسفير. في الوقت الراهن, يخلو الستراتوسفير من الهباء الجوي البركاني حيث حصل أخر انفجار بركاني في العام ١٩٩١(جبل بيناتوبو).
إن التأثير الإشعاعي المتوقع حصوله في الوقت الحاضر وفي بداية الحقبة الصناعية بسبب تغيّرات الإشعاع الشمسي والبراكين هو أقل بكثير من تغيّر التأثير الإشعاعي المتوقع حصوله بسبب النشاطات البشرية. وفي المحصلة، يمكن القول إن التأثير الإشعاعي في الغلاف الجوي الناتج عن النشاط البشري أكثر فاعلية على المناخ الحالي والمستقبلي من التأثير الإشعاعي المتوقع حدوثه من جراء التغيّر في عمليات طبيعية.