لا يُعتبر مرجّحاً إحتمال حدوث تغيّرات مفاجئة في المناخ كإنهيار الغطاء الجليدي القطبي الغربي والفقدان السريع لغطاء غرينلاند الجليدي أو تغيّرات أنظمة دوران المحيط على نطاقٍ واسعٍ في القرن الواحد والعشرين إستناداً إلى النتائج النموذجية المتوفرة حالياً. وعلى أية حال، فإن حدوث هذه التغيّرات أصبح مرجحاً على نحوٍ متزايدٍ كلما تقدم إضطراب النظام المناخي.
بيّنت التحاليل الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية من باطن جليد غرينلاند والرواسب البحرية من شمال الأطلسي وأماكن أخرى، وكذلك العديد من أرشيفات المناخ الماضي، أنه باستطاعة درجات الحرارة المحلية وأنظمة الريح ودورات المياه أن تتغيّر بسرعة خلال بضعة سنوات فقط.
وتُظهر مقارنة النتائج من السجلات في مختلف المواقع في العالم حدوث تغيّرات أساسية تطال المستوى العالمي. ما أدّى إلى فكرة مناخ ماضٍ غير مستقر مر بمراحل التغيّر المفاجئ. لذا، برز قلق جديد وهو أن النمو المستمر لنسب الغازات الدفيئة في الجو قد يشكل إضطراباً قوياً بما يكفي ليسبب التغيّرات المفاجئة في النظام المناخي. قد يُعتبر تدخّلاً مماثلاً مع النظام المناخي خطراً إذ قد يكون له نتائج عالمية كبيرة.
وقبل مناقشة بعض الأمثلة للتغيّرات المماثلة، من المفيد أن نعرّف مصطلحي «حاد» (abrupt) و«كبير» (major). «الحاد» يعني أن التغيّر يحدث بسرعة أكبر من الإضطراب الذي يتسبب بالتغيّر، بمعنى أخر، يكون غير خطي. أما التغيّر «الكبير» فيتضمن تغيّرات تتخطى نسبة التغيّر الطبيعي الحالي وله مدى مكاني يتراوح من عدة آلاف الكيلومترات ليصل إلى المستوى العالمي. من المدى المحلي إلى المدى الإقليمي، تُعتبر التغيّرات المفاجئة خاصية مشتركة للتغيّر المناخي الطبيعي. وهنا، لا تُؤخذ الظواهر المعزولة والقصيرة الأمد التي يُشار إليها بـ«الظواهر المتطرفة» بعين الاعتبار، ولكن بالأحرى تغيّرات على النطاق الواسع تتطور بسرعة وتستمر من عدة سنوات إلى عقود. شهدت أواسط السبعينيات من القرن السابق نقلة في درجات حرارة سطح البحر شرقي الهادئ وعرفت أواسط الثمانينيات من القرن ذاته إنخفاضاً في الملوحة في الطبقة العليا من بحر لابرادور، وهما مثلان عن ظواهر مفاجئة ذات نتائج محلية وإقليمية، في مقابل النطاق الواسع الذي يشمل الظواهر الطويلة الأمد التي يُركّز عليها هنا. أحد الأمثلة عنها هو الإنهيار المحتمل، أو إغلاق جدول الخليج الذي يلقى إهتماماً واسعاً لدى الرأي العام. فجدول الخليج هو تيار أفقي أولي في المحيط الأطلسي الشمالي تقوده الرياح.
وعلى الرغم من كونه سمة مستقرة من دوران المحيطات العام، فإن إمتداده الشمالي الذي يغذي تشكّل المياه في عمق بحار غرينلاند النروجية، وبذلك يوزع كميات كبيرة من الحرارة على هذه البحار ومناطق الأرض القريبة، متأثراً بشدة بتغيّرات كثافة المياه السطحية في هذه المناطق.
يشكل هذا التيار الإنتهاء الشمالي للدوران التقلبي الجنوبي على مستوى الحوض الممتد على طول الحد الغربي من حوض الأطلسي. وغالباً ما تشير محاكاة النماذج المناخية إلى أنه في حال إنخفضت كثافة المياه السطحية في شمال الأطلسي بسبب الإحترار أو إنخفاض في الملوحة، تتدنى قوة دوران التقلبي الجنوبي ومعها توزيع الحرارة في هذه المناطق. وقد تُحدث بعض الإنخفاضات القوية والمدعومة في الملوحة وحتى المزيد من الإنخفاضات الكبيرة أو تكمل إغلاق دوران التقلبي الجنوبي في كافة تقديرات نمذجة المناخ. إن تغيّرات مماثلة طرأت بالفعل في الماضي البعيد. المشكلة اليوم تكمن في ما إذا كان التأثير البشري المتزايد على الجو يشكل إضطراباً قوياً وكافياً لدوران التقلبي الجنوبي كي يُحدث هذا التغيّر.
وتؤدي زيادة غازات الدفيئة الجوية إلى إحترار وكثافة في الدورة الهيدرولوجية التي تجعل المياه السطحية في شمال الأطلسي أقل ملوحة، كما تؤدي زيادة التهطال إلى زيادة المياه العذبة المتدفقة من المحيط إلى أنهار المنطقة. يتسبب الإحترار كذلك بذوبان الثلوج، زائداً بذلك نسبة المياه العذبة ومخفّضاً ملوحة مياه المحيط السطحية. تخفض النتيجتان من كثافة المياه السطحية التي يجب أن تكون كثيفة وثقيلة بما يكفي كي تغرق بُغية منتَجة الدوران التقلبي الجنوبي، ما يؤدي إلى إنخفاضه في القرن الواحد والعشرين.
ويُتوقع أن يستمر هذا الإنخفاض في نقاط التركيز مع الإحترار. ولا يحاكي أي من النماذج الحالية إنخفاضاً مفاجئاً أو وقفاً كاملاً في هذا القرن. ما زلنا نشهد إنتشاراً شاملاً في إنخفاض النماذج في دوران التقلبي الجنوبي الذي يتراوح عملياً من حالة اللاإستجابة إلى الإنخفاض إلى أكثر من ٥٠ بالمئة على مشارف نهاية القرن الواحد والعشرين. وينتج هذا الإختلاف النموذجي المتقاطع عن إختلافات في قوى ردود الجو والمحيط المحاكاة في هذه النماذج.
من جهة أخرى، يبدو مصير دوران التقلبي الجنوبي الطويل الأمد غير مؤكد. وتُظهر العديد من النماذج إسترداد دوران التقلبي الجنوبي عند إستقرار المناخ. إلا أن لبعض النماذج المناخية عتبات لدوران التقلبي الجنوبي يتم تخطيها في حال كان التأثير قوياً بما يكفي ويدوم وقتاً أطول.
بالتالي، تُظهر محاكاة مماثلة إنخفاضاً تدريجياً لدوران التقلبي الجنوبي يستمر حتى بعد إستقرار المناخ. ولا يمكن حالياً تحديد كمية الأرجحية على الرغم من أن أوروبا لا تزال تختبر الإحترار بما أن التأثير الإشعاعي الناتج عن الغازات الدفيئة المتزايدة قد يغمر التبريد بالتزامن مع إنخفاض دوران التقلبي الجنوبي. وتبدو السيناريوهات الكارثية التي تقترح بدء العصر الجليدي الذي بدوره يُحدثه وقف دوران التقلبي الجنوبي مجرد محاكاة. ولم يحدث أن ولّد مناخاً نموذجياً حصيلة مماثلة. في الواقع، إن العمليات المؤدية إلى العصر الجليدي واضحة ومفهومة فيه الكفاية وهي بالتالي مختلفة تماماً عن تلك المُناقشة هنا، ما يمكّننا بثقةٍ من إستثناء هذا السيناريو.
وبصرف النظر عن تطوّر دوران التقلبي الجنوبي الطويل الأمد، توافق المحاكاة النموذجية على إن الإحترار وما يتأتى عنه من إنخفاض في الملوحة سيخفف بشدة تشكل المياه العميقة والوسطى في بحر لابرادور خلال العقود القليلة المقبلة، ما سيتسبب بتبدّل خصائص الكتل المائية الوسطى شمال الأطلسي ويؤثر بدوره على قعر المحيط. ومن الأمثلة المُناقشة على نحوٍ واسع بما يتعلق بتغيّرات المناخ المفاجئة، يحضر تحطّم غطاء غرينلاند الجليدي أو إنهيار غطاء غربي الأطلسي الجليدي الحاد.
وتشير النمذجة المستندة إلى المحاكاة والمراقبة إلى إن الإحترار على مستوى خطوط العرض العالية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية يعجّل ذوبان غطاء غرينلاند الجليدي وإن تساقط الثلوج المتزايد بسبب الدورة الهيدرولوجية القوية عاجز عن تعويض هذا الذوبان. وما قد يؤدي إلى تقلّص غطاء الأرض الجليدي بشكلٍ كبير في القرون المقبلة. فضلاً عن ذلك، تقترح النتائج وجود عتبة خطر لدرجات الحرارة، إن تم تخطيها، ستعرّض غطاء غرينلاند الجليدي إلى الزوال التام، وتؤكد بالتالي إحتمال تخطي هذه العتبة في القرن الحالي.
إلا أن ذوبان غطاء غرينلاند الجليدي الكامل الذي يرفع مستوى البحر إلى حوالي ٧ أمتار هو عملية بطيئة قد تتطلب مئات السنين لتكتمل.
تُلقي الأقمار الصناعية والأرصاد الحديثة للتيارات الثلجية المسببة لتحطم الطبقات الثلجية، الضوء على إستجابات أنظمة الغطاء الثلجي السريعة، ما يثير مخاوف كبيرةً حول إجمالي إستقرار غطاء شمال الأطلسي الثلجي والإنهيار الذي قد يؤدي إلى إرتفاع مستوى البحر إلى ٦ أمتارٍ أخرى. وبينما تَظهر هذه التيارات مدعّمةً بالطبقات المتواجدة أمامها، لا يزال من غير المعروف في الوقت الحاضر ما إذا قد يسبب في الواقع الإنخفاض أو الفشل في دعم مناطق الغطاء الجليدي المحدودة نسبياً، تدفقاً منتشراً من تيارات الثلوج وبالتالي عدم إستقرار غطاء غرب الأطلسي الجليدي بالكامل. ونظراً إلى أن الأغطية الجليدية بدأت للتو تبني العمليات الدينامية الصغيرة النطاق التي تتضمن تفاعلات معقدة مع الأنهر الجليدية والمحيط على نطاق الغطاء الجليدي، فلا تتوفّر معلومات كميّة مستقاة من الجيل الحالي لنماذج الغطاءات الجليدية لجهة أرجحية ظاهرة مماثلة أو توقيتها.