السؤال ١٠-٣ : إذا تم خفض معدّل إنبعاث غازات الدفيئة، بأي سرعة يتراجع معدّل
السؤال ١٠-٣
إذا تم خفض معدّل إنبعاث غازات الدفيئة، بأي سرعة يتراجع معدّل
تركيزها في الغلاف الجوي؟
إن تعديل معدّل تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي عبر الحد من الإنبعاثات يعتمد على العمليات الكيميائية والفيزيائية التي تزيل كل غاز من الغلاف الجوي. فمعدّل تركيز بعض غازات الدفيئة يتراجع بشكل شبه فوري نتيجة الحد من الإنبعاثات، في حين أن معدّل تركيز أنواع أخرى من الغازات يستمر في التزايد لقرون عديدة حتى بعد الحد من الإنبعاثات.
يعتمد معدّل تركيز الغازات في الغلاف الجوي على سباق بين معدّلات إنبعاث الغاز في الغلاف الجوي ومعدّلات إزالته من الغلاف الجوي. على سبيل المثال، يتم تبادل ثاني أكسيد الكربون CO٢ بين الغلاف الجوي والمحيطات والأرض عبر عمليات معينة كنقل الغاز بين الغلاف الجوي والمحيطات وعمليات كيميائية (كالتجوية مثلاً) وبيولوجية (كالتمثيل الضوئي). في حين أن أكثر من نصف إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون يستغرق قرناً ليزول من الغلاف الجوي حالياً، يبقى جزء من هذه الإنبعاثات في الغلاف الجوي لآلاف السنين. بسبب بطء عمليات الإزالة، سيستمر معدّل ثاني أكسيد الكربون الجوي في التزايد حتى ولو شهد معدّل الإنبعاثات الحالي تراجعاً كبيراً. ويزول غاز الميثان CH4 مثلاً بفعل عمليات كيميائية في الغلاف الجوي، في حين أن الإشعاعات الشمسية تدمّر أكسيد النيتروز N٢O وبعض غازات الكربون الهالوجيني في الغلاف الجوي العلوي. تتفاوت مدة هذه العمليات من بضعة سنوات إلى آلاف السنين. فيقاس عمر الغاز في الغلاف الجوي إنطلاقاً من المدة اللازمة لخفض كمية الغاز بفعل إحدى الإضطرابات إلى نسبة ٣٧% من كميّته الأصلية. يسهل تحديد هذا المعدّل لبعض الغازات كالميثان CH٤ وأكسيد النيتروز N2O وغيرها من الغازات النزرة كالمركّبات الكربونية الفلورية الهيدرولوجية-٢٢ (HCFC-22) وهو سائل مبرد (عمر الميثان في الغلاف الجوي هو ١٢ سنة، وأكسيد النيتروز ١١٠ سنوات، والمركبات الكربونية الفلورية الهيدرولوجية-٢٢ حوالي ١٢ سنة) إلا أنه يستحيل تحديد هذا المعدّل بالنسبة إلى ثاني أكسيد الكربون.
إن تغيّر معدّل تركيز أي غاز نزر يعتمد جزئياً على كيفية تطوّر إنبعاثاته مع الوقت. فإذا إزدادت الإنبعاثات مع الوقت، سيزداد أيضاً معدّل التركيز في الغلاف الجوي، بغض النظر عن عمر الغاز في الغلاف الجوي. ولكن، إذا اتخذت إجراءات للحد من الإنبعاثات، سيعتمد معدّل تركيز غاز نزر في الجو على التغيّرات النسبية ليس في الإنبعاثات فحسب، بل في عمليات إزالة الغاز أيضاً. يظهر هنا دور عمر الغاز وعمليات إزالته في تحديد تطور تركيز الغاز في الغلاف الجوي عند خفض الإنبعاثات.
على سبيل المثال، يظهرالرسم ١ تجارب تحدد كيف سيتجاوب معدّل التركيز المستقبلي لثلاثة أنواع من الغازات النزرة مع تغييرات تجريبية في الإنبعاثات (مصورة هنا كرد فعل على تغيير مفروض في الإنبعاثات). أخذنا مثالاً: ثاني أكسيد الكربون الذي لا يمتلك عمراً محدداً في الغلاف الجوي، وغاز نزر ذو عمر معروف وطويل يقارب القرن (مثلاً N٢O)، وغاز نزر ذو عمر معروف وقصير يقارب العقد (كـ CH٤ أوHCFC-22 أو غيرها من أنواع الكربون الهالوجيني). لكل غاز، تعرض خمس حالات من الإنبعاثات المستقبلية: تثبيت الإنبعاثات على معدّلها الحالي، وخفض فوري لمعدّل الإنبعاثات بنسبة ١٠%، ٣٠%، ٥٠% و١٠٠%.
يختلف رد فعل ثاني أكسيد الكربون (راجع الرسم ١أ) تماماً عن غازات النذر ذات العمر المحدد. فتثبيت إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون على معدّلها الحالي يؤدي إلى تزايد مستمر لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي خلال القرن ٢١ وما بعده، في حين أنه يؤدي في حالة الغاز ذي العمر البالغ قرناً (راجع الرسم ١ب) أو عقداً (راجع الرسم ١ ج) إلى ثبات معدّل تركيزهما في الغلاف الجوي بمستوى يفوق المعدّل الحالي في غضون قرنين للغاز الأول وعقدين للغاز الثاني. في الواقع، لا يمكن تثبيت معدّل تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي على مستوى ثابت إلا من خلال وقف الإنبعاثات بشكل كلي. جميع الحالات الأخرى من الخفض المعتدل للإنبعاثات تظهر إزدياداً في معدّل التركيز بسبب عمليات التبادل النموذجية المرتبطة بدورة الكربون في النظام المناخي.
بالتحديد، يفوق معدّل إنبعاث ثاني أكسيد الكربون حالياً معدّل إزالته بشكل كبير، والإزالة البطيئة وغير المكتملة تعني أن خفض الإنبعاثات بشكل ضئيل أو معتدل لن يؤدي إلى ثبات معدّلات التركيز بل سيحد فقط من معدّل نموها في العقود المقبلة. فخفض معدّل إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة ١٠% يتوقع أن يؤدي إلى تراجع معدّل نموه بنسبة ١٠%، كما أن خفض هذا المعدّل بنسبة ٣٠% يؤدي إلى تراجع معدّل نمو تركيز ثاني أكسيد الكربون في الجو بنسبة ٣٠%. ويؤدي الخفض بنسبة ٥٠% إلى تثبيت معدّل تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ولكن لمدة أقل من عقد من الزمن فقط. بعد ذلك، يتوقع أن يعود معدّل ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى الإرتفاع نظراً لتراجع الترسبات في الأرض والمحيطات نتيجة تغيّرات كيميائية وبيولوجية معروفة. أما الوقف الكلي لإنبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيتوقع أن يؤدي إلى إنخفاض بطيء في معدّل تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي يبلغ ٤٠ جزءاً بالمليون تقريباً خلال القرن ٢١.
يختلف الوضع تماماً بالنسبة إلى غازات نزرة المحددة العمر في الغلاف الجوي. فبالنسبة إلى الغاز ذي العمر البالغ قرناً (مثلاً N٢O)، يجب خفض الإنبعاثات بنسبة تفوق ٥٠% لتثبيت معدّلات التركيز على مستوى قريب من مستواها الحالي (راجع الرسم ١ب). يؤدي تثبيت الإنبعاثات إلى تثبيت معدّل التركيز خلال بضعة قرون.
في حالة غاز نزر ذي العمر القصير، تساوي الخسارة الحالية حوالي ٧٠% من الإنبعاثات. على المدى القصير، يؤدي أي خفض للإنبعاثات ما دون ٣٠% إلى زيادة معدّل التركيز، ولكن على عكس ثاني أكسيد الكربون، تكون النتيجة تثبيت معدّل التركيز في غضون عقود (راجع الرسم ج). أي أنه يجب خفض الإنبعاثات بنسبة تفوق ٣٠% لتثبيت معدّلات التركيز على مستويات أقل بكثير من المستويات الحالية. أما وقف الإنبعاثات بشكل كامل فيسمح بالعودة إلى معدّلات التركيز السابقة للثورة الصناعية في أقل من قرن بالنسبة إلى غاز نزر ذي العمر البالغ عقداً.