لقد تبدل المناخ على الأرض في مختلف الأوقات بما فيها فترات لم يكن يؤدي الإنسان خلالها أي دور. وحصل تطور كبير في معرفة أسباب التغيّرات المناخية وآلياتها. وكانت التغيّرات في ميزان الأرض الإشعاعي السبب الرئيسي خلف التغيّرات المناخية، ولكن أسباب هذه التغيّرات مختلفة ومتعددة وهي: العصور الجليدية والحرارة في زمن الديناصورات وتقلبات الألفيات السابقة. وينبغي تفصيل كل سبب من الأسباب على حدى. يمكن القيام بهذا الأمر بمصداقية في هذه الأيام, إذ بات مستطاعاً تجسيد عدد كبير من التغيّرات السابقة بواسطة نماذج تحليلية.
يتحدد المناخ العلمي من خلال ميزان الإشعاع الأرضي (راجع السؤال ١-١). يمكن أن يتغيّر الميزان الإشعاعي وبالتالي يتغيّر المناخ من خلال ثلاث طرق هي: أولاً، التغيّر في الإشعاع الشمسي الوارد (من خلال التغيّرات في حلقة الأرض أو في الشمس بحد ذاتها), ثانياً، التغيّرات في كسر الإشعاع الشمسي المعكوس (ويسمى هذا الكسر البياض, ويمكن أن ينتج هذا التغيّر من جراء التغيّرات في غلاف السحب أو في سلائف صغيرة تدعى الهباء الجوي أو في غطاء الأرض), ثالثاً، تبدّل الطاقة الطويلة الموج المنعكسة مجدداً إلى الفضاء (من خلال التغيّرات في تركيزات غاز الدفيئة مثلاً). ومن جهة أخرى، يعتمد المناخ المحلي على كيفية توزيع الحرارة من قبل الغيوم وعلى تيارات المحيط. وقد أدّت هذه العوامل كلها دوراً في التغيّرات المناخية السابقة.
في البداية العصور الجليدية: نشأت العصور الجليدية وتلاشت في دورات طبيعية على مدى ٣ ملايين سنة خلت. وتدل حقائق قوية على ارتباط هذه العصور بالتقلبات الدورية لحلقات الأرض حول الشمس, وتعرف هذه الأخيرة باسم دورات ميلانكوفيتش (راجع الرسم ١). تبدل هذه الحلقات كمية الإشعاع الشمسي الوارد إلى كل خط عرض في كل موسم (ولكنها بالكاد تؤثر على النسبة السنوية العالمية). ويمكن قياسها بواسطة بعض التحديدات الفلكية. لا يزال النقاش دائراً اليوم حول كيفية حصول العصور الجليدية وإنتهائها. ولكن تفيد دراسات عدة بأن كمية سطوع الشمس في الصيف في القارات الشمالية هامة جداً: فإذا لم تصل هذه الكمية إلى القيمة الخطر سيؤدي ذلك إلى عدم ذوبان الثلج المتراكم من الشتاء الماضي خلال الصيف وسيبدأ الغلاف الجليدي بالنمو وبالتالي سيتراكم الثلج. وتؤكد نماذج المناخ المركبة إمكانية بدء العصر الجليدي بهذه الطريقة في حين تم إستخدام نماذج بسيطة مفهومية بغية تجسيد بدء هذه التجلّدات بالإستناد إلى التغيّرات في الحلقات. وستحدث المرحلة الثانية من تقلص التشميس في الصيف في المناطق الشمالية, المشابهة لتلك التي حصلت في العصور الجليدية السابقة بعد ٣٠ ألف عام.
وأدّى ثاني أكسيد الكربون دوراً في الغلاف الجوي في العصور الجليدية على الرغم من عدم كونه مسببها الرئيسي. وتدل المعلومات حول القلنسوة الجليدية في القطب الجنوبي إلى أن تركيز ثاني أكسيد الكربون كان قليلاً في الفترات الجليدية الباردة (~١٩٠ جزءاً بالمليون) في حين كان عالياً في الفترات البينية الجليدية الحارة (~٢٨٠ جزءاً بالمليون). ويتبع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي تغيّرات الحرارة في القطب الجنوبي بفارق مئات السنين. تحصل التغيّرات المناخية في بداية العصور الجليدية وفي نهايتها وتتطلب مئات السنين لتأخذ مجراها, ولهذا السبب تتأثر معظم التغيّرات المناخية بالتأثير التفاعلي الإيجابية لثاني أكسيد الكربون. وبنتيجة هذا التأثر، يتعزز التبريد الأولي البسيط بفضل دورات ميلانكوفيتش في حين ينخفض تركيز ثاني أكسيد الكربون. وبالتالي تنتج نماذج المناخ المركب نتائج واقعية عندما يتم استخدام ثاني أكسيد الكربون كمسبب (المناقشة في الأقسام ٦·٤·١).
خلال العصر الجليدي الأخير، حصل أكثر من عشرين تبدلاً مناخياً مفاجئاً ودرامياً برز بشكل ملحوظ في تسجيلات المحيط الأطلسي (القسم ٦.٤). وتختلف هذه التبدلات عن التجلدات في دورات الفترات البينية الجليدية. وعلى الأرجح يبدو أنها لا تؤدي إلى تغيّرات واسعة في الحرارة النسبية العالمية: لا تتزامن التغيّرات في غرينلاند والقطب الجنوبي في حين أنها متزامنة في شمال وجنوب المحيط الأطلسي. وتدل هذه النتيجة على أن هذه التغيّرات لا تحتاج إلى تغيّر كبير في ميزان الإشعاع العالمي بل تكتفي بإعادة توزيع الحرارة داخل نظام المناخ. ومن المؤكد أن التبدلات في دوران المحيط وفي نقل الحرارة يمكن أن تشرح عدداً كبيراً من مميزات هذه الظواهر المفاجئة. تظهر المعلومات حول ترسبات الأنهار ونماذج تركيب المناخ أنه كان بالإمكان حدوث بعض هذه التغيّرات من جراء عدم الاستقرار الموجود في الغلافات الجليدية المحيطة بالمحيط الأطلسي آنذاك, ويفضي ذلك إلى تدفق الماء العذب في المحيط.
وقد شهد تاريخ المناخ فترات أكثر حرارة, حصل معظمها منذ ٥٠٠ مليون سنة, ومن المرجح أن الأرض كانت خالية تماماً من الغلافات الجليدية في تلك الفترة (يستطيع علماء الجيولوجيا تأكيد ذلك من خلال الآثار التي يتركها الجليد على الصخر), على عكس ما هي عليه في الوقت الحالي حيث يغطي الثلج غرينلاند والمحيط الأطلسي. وتعود المعلومات حول كثافة غاز الدفيئة إلى ملايين السنين، وبالتالي فإن التوصل إلى ما بعد القلنسوات الجليدية في القطب الجنوبي غير مؤكد بعد. ولكن تفيد تحليلات بعض العينات الجيولوجية تزامن الفترات الدافئة الخالية من الجليد مع مستويات مرتفعة لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وإستناداً إلى مقياس مليون عام, تغيّرت مستويات ثاني أكسيد الكربون بسبب النشاط التكتوني، ما يؤثرعلى معدّلات تبادل ثاني أكسيد الكربون بين الغلاف الجوي والمحيط على اليابسة. راجع المربع ٦-١ للمزيد من المعلومات حول المناخات القديمة.
تشكل التقلبات في الطاقة الصادرة عن الشمس أحد أسباب التغيّرات المناخية. تشير القياسات في العقود القريبة إلى أن الصادرات الشمسية إختلفت قليلاً (نحو ٠٫١%) في دورة مؤلفة من ١١ عاماً. وتدل البقع الشمسية (العائدة إلى القرن السابع عشر) والمعلومات حول النظائر الناتجة عن تأثير الإشعاع الكوني على حصول تغيّرات بعيدة الأمد في الحركة الشمسية. ويشير ترابط المعلومات ونموذج المناخ المركب إلى أن التقلبية الشمسية الموجودة والنشاط البركاني كانا من الأسباب المؤدية إلى التقلبات المناخية خلال الألفية قبل بدء الحقبة الصناعية.
تسلّط هذه الأمثلة الضوء على التغيّرات المناخية المختلفة في الماضي وأسبابها المختلفة. والحقيقة هي أن العوامل الطبيعية تسببت بتغيّرات مناخية في الماضي لا تعني أن التغيّر المناخي الحالي مرده طبيعي. وعليه، فإن وجود الصواعق المسببة للحرائق في الغابات لا يفضي إلى القول بأنه من المستحيل أن يكون سبب الحريق بعض المخيمين المهملين. يطرح السؤال ٢-١ سؤالاً حول مدى إرتباط التغيّرات المناخية بتأثير البشر مقارنة مع تأثير الطبيعة ومدى مساهمة العنصرين فيها.