السؤال ٦-٢ : هل يعتبر تغيّر المناخ الحالي غير إعتيادي مقارنة بالتغيّرات السابقة
السؤال ٦-٢
هل يعتبر تغيّر المناخ الحالي غير إعتيادي مقارنة بالتغيّرات السابقة
التي حدثت في تاريخ الكرة الأرضية؟
تغيّر المناخ في كافة السنوات طوال تاريخ الكرة الأرضية. وتعتبر بعض مظاهر تغيّر المناخ الحالي إعتيادية، أما بعضها الأخر فيعتبر غير إعتيادي. وحققت تركيزات ثاني أكسيد الكربون الموجودة في الغلاف الجوي رقماً قياسياً عالياً مقارنة بالنصف مليون سنة الماضية مسجلة بذلك معدّلاً سريعاً وإستثنائياً. أما درجات الحرارة العالمية الحالية فهي أكثر دفئاً من درجات الحرارة التي سُجّلت في خلال القرون الخمسة الماضية، لا بل في خلال أكثر من ألفية. وفي حال إستمر الإحترار على ما هو عليه اليوم، فستكون لتغيّر المناخ في خلال هذا القرن نتائج غير إعتيادية على الأصعدة الجيولوجية. ويعتبر السبب في تغيّر المناخ مظهراًَ أخر من مظاهر تغيّر المناخ الحالي، كون تغيّرات المناخ السابقة كانت طبيعية المنشأ (راجع السؤال ٦-١)، أما معظم الإحترار الذي سُجّل في خلال الخمسين سنة الماضية فمردّه الأنشطة البشرية.
ويجب تسجيل ثلاثة إختلافات عندما تتم مقارنة تغيّر المناخ الحالي مع المناخ السابق أي الطبيعي المنشأ. أولاً، يجب تحديد العامل المتقلب الذي تتم مقارنته، هل هو تركيز غاز الدفيئة أو درجة الحرارة أو بعض معايير المناخ، وهل يُركّز هذا العامل على القيمة المطلقة أم على معدّل التغيّر؟ ثانياً، من الضروري التمييز بين التغيّرات المحلية والتغيّرات العالمية. فغالباً ما تكون تغيّرات المناخ المحلية أوسع من التغيّرات العالمية كون العوامل المحلية كالتغيّرات في دوران المحيطات والغلاف الجوي يكمن أن تحوّل إتجاه وصول الحرارة أو الرطوبة من مكان إلى أخر فضلاً عن تغيير التغذية المرتدة المحلية كالتغذية المرتدة للجليد البحري. ومن جهة أخرى، تتطلب التغيّرات الواسعة في نسب درجات الحرارة العالمية بعض المجهود العالمي كتغيّر تركيز غاز الدفيئة أو النشاط الشمسي. ثالثاً، من الهام التمييز بين الأطر الزمنية. فمن الممكن أن تكون تغيّرات المناخ عبر ملايين السنين أكبر ولها أسباب مختلفة كالإنجراف القاري مقارنة بتغيّرات المناخ في خلال مئة عام.
ويعزى السبب الرئيسي للقلق الحالي على تغيّر المناخ إلى إرتفاع نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي فضلاً عن زيادة بعض غازات الدفيئة، وهو أمر غير إعتيادي بالنسبة إلى الزمن الرابع الكواتيرني أي في خلال مدة المليوني عام الماضية. ويُعرف حالياً تركيز ثاني أكسيد الكربون بشكل دقيق عبر الـ ٦٥٠٠٠٠ سنة الماضية من خلال العينات الجليدية الجوفية في أنتاركتيكا. وتفاوت تركيز ثاني أكسيد الكربون في خلال هذه الفترة بين ١٨٠ جزءاً في المليون خلال الأزمنة الجليدية الباردة و٣٠٠ جزء في المليون خلال الإحترار بين عصرين جليديين. وقد إرتفع بشكل سريع في خلال القرن الأخير حتى بلغ حالياً ٣٧٩ جزءاً في المليون (راجع الفصل ٢). ومن باب المقارنة، إن إرتفاع نسبة تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى ٨٠ جزءاً في المليون خلال نهاية العصر الجليدي الماضي قد إستغرق تقريباً أكثر من ٥٠٠٠ عاماً. وسُجّلت نسب أعلى من النسب الحالية خلال عدة ملايين من السنوات (راجع السؤال ٦-١). وتشكّل درجة الحرارة متقلباً يصعب إعادة تصويبه مقارنة بإعادة تصويب ثاني أكسيد الكربون وهو غاز مخلوط بشكل جيد، لأنها غير متوفرة بالنسب نفسها في أنحاء الكرة الأرضية بحيث يكون تسجيل درجة الحرارة محدوداً مثل عينة جوفية من الجليد القطبي. ومن الممكن أن تبلغ تقلبات درجات الحرارة المحلية، بما في ذلك تلك التي سجلت خلال القرون السابقة، عدة درجات مئوية، وهي تساوي ٠.٧ درجة مئوية أعلى من نسبة الإحترار العالمي على مر القرون السابقة.
ويعتبر التحليل الذي أجري على صعيد معدّلات النطاق الواسع أي على المستوى العالمي أو النصف الكروي، أكثر إفادة بالنسبة إلى التغيّرات العالمية، بحيث يكون التقلب المحلي متساوياً وتكون التقلبية أقل. وتعود التغطية الكافية التي تتم من خلال التسجيلات عن طريق الآلة إلى حوالي ١٥٠ عاماً فحسب.
وبالعودة إلى الماضي، يعود تجميع البيانات غير المباشرة من حلقة شجرية ومن عينة جوفية من الجليد القطبي (إلخ)، إلى آلاف السنين مع إنخفاض الغطاء الفضائي في فترات سابقة (الفقرة ٦.٥). في الوقت الذي تبرز فيه الإختلافات بين هذه التحليلات وتبقى بعض الشكوك الهامة موجودة، وجدت جميع التحليلات التي نشرت أن درجات الحرارة كانت دافئة في خلال القرون الوسطى ومن ثم بردت في خلال القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر ومن ثم دفئت سريعاً بعد ذلك. يبقى مستوى إحترار القرون الوسطى غير أكيد ولكن من الممكن أن يكون قد تم التوصل إليه مرة أخرى في منتصف القرن العشرين، لأنه في تزايد مستمر منذ ذلك الوقت. كما تدعم هذه النتائج وضع النماذج المناخية. وقبل ألفي عام، لم يتم تكديس تغيّرات درجات الحرارة في معدّلات على صعيد واسع، لكنها لا تقدم أي دليل على إرتفاع نسب درجات الحرارة العالمية السنوية الحالية والعائدة إلى زمن الهولوسين أي إلى ١١٦٠٠ عام (الفقرة ٦.٤). وتتوفر دلائل قوية تشير إلى أن المناخ الأكثر إحتراراً والمرفق بتقليص للعينات الجوفية من الجليد القطبي وبإرتفاع مستوى البحر، هو الذي يسيطر منذ حوالي ٣ ملايين عام. ولذلك، يظهر الإحترار الحالي غير إعتيادي في خلال الألفية الماضية، لكنه لا يظهر غير إعتيادي على المدى البعيد وتصبح التغيّرات في النشاط التكتوني الذي بإمكانه أن يؤدي إلى تغيّرات بطيئة في تركيز غاز الدفيئة، مناسبة (راجع الرسم ٦.١).
ويشكل معدّل الإحترار الحالي مشكلة أخرى. هل تم تسجيل تغيّرات المناخ العالمي السريعة في بيانات غير مباشرة؟ وسجّلت أكبر نسبة في تغيّرات درجات الحرارة في المليون سنة الماضية على صعيد الدورات الجليدية حيث إنتقلت درجة الحرارة من ٤ درجات مئوية إلى ٧ درجات مئوية بين عصر جليدي ومرحلة ما بين عصرين جليديين. وكانت التغيّرات المحلية أوسع بكثير بقرب الطبقات الجليدية القارية مثلاً. ومن جهة ثانية، تشير البيانات إلى أن الإحترار العالمي الذي حصل في نهاية العصر الجليدي قد جرى بشكل تدريجي إستغرق ٥٠٠٠ عام (الفقرة ٦.٣). وبالتالي، من الواضح أن معدّل تغيّر المناخ الحالي هو أسرع بكثير وغير إعتيادي مقارنة مع التغيّرات الماضية. ولا تشكل تغيّرات المناخ القاسية التي حصلت في خلال العصور الجليدية (الفقرة ٦.٣) أمثلة مضادة لأنها من المحتمل أن تكون قد حصلت بفضل تغيّرات في نقل درجة حرارة المحيط التي لا يمكن أن تؤثر على نسب درجات الحرارة العالمية.
وبالعودة إلى الماضي، وباستثناء بيانات العينات الجوفية من الجليد القطبي، فإن زمن إنحلال الترسبات المركزية وغيرها من العوامل لا يؤدي إلى تحوّل هذه التغيّرات بالسرعة التي يسجّلها الإحترار الحالي. ولذلك، وعلى الرغم من أن تغيّرات المناخ الواسعة سجلت في الماضي، لا وجود لأي دليل يثبت أن هذه التغيّرات قد تمّت بنسبة أسرع من الإحترار الحالي. وفي حال تحققت التوقعات في أن يبلغ الإحترار ٥ درجات مئوية في هذا القرن (المعدّل الأعلى)، فعندها ستكون الكرة الأرضية قد اختبرت النسبة نفسها من الإحترار العالمي الذي عرفته في نهاية العصر الجليدي. ما من وجود لأي دليل يثبت أن معدّل التغيّر المستقبلي العالمي المحتمل هذا يتلاءم مع أي إرتفاع في درجات الحرارة العالمية التي سُجلت في مدة ٥٠ مليون عاماً.