السؤال ٨-١ : إلى أي مدى يمكن الإعتماد على النماذج المستخدمة للتنبؤ بتغيّر المناخ
السؤال ٨-١
إلى أي مدى يمكن الإعتماد على النماذج المستخدمة للتنبؤ بتغيّر المناخ
في المستقبل؟
برزت ثقة كبيرة بنماذج المناخ التي تقدم تقديرات عددية موثوقة لتغيّر المناخ في المستقبل خاصة على المستويات القارية وعلى نطاق أوسع. ويُعزى سبب هذه الثقة إلى إنشاء النماذج من مبادئ فيزيائية مقبولة ومن قدرتها على نقل الخصائص التي رصدت في تغيّرات المناخ الحالية والسابقة. وتعتبر نسبة الثقة في تقديرات النموذج أعلى بالنسبة إلى التقلبات المناخية كدرجة الحرارة مثلاً، أكثر من الأخرين كالتهطال مثلاً. وعلى مر عدة عقود من التطور، قدمت النماذج دوماً صورة كبيرة وواضحة عن إحترار المناخ من جراء إزدياد غازات الدفيئة.
وتأتي النماذج المتعلقة بالمناخ دقيقة على شكل رموز حاسوب معتمدة على الحواسيب القوية. ويأتي مصدر الثقة الأول في النماذج من واقع أن أساسيات النموذج تعتمد على قوانين فيزيائية رسمية كالمحافظة على الكتلة والطاقة وكمية الحركة بالترافق مع وفرة في المراقبات.
ويأتي مصدر الثقة الثاني من قدرة النماذج على محاكاة خصائص هامة في المناخ الحالي. ويتم تقييم النماذج بشكل روتيني ومكثف عبر مقارنة المحاكاة مع مراقبات الغلاف الجوي والمحيط والكرايوسفير وسطح الأرض. وقد تم إجراء مستويات تقييم لا سابق لها في خلال العقد الماضي، أتت على شكل مقارنات منظمة لنموذج متعدد. وتظهر النماذج مهارة واضحة ومتزايدة في نقل خصائص المناخ الهامة كالتوزيعات في نطاق واسع لدرجة حرارة الغلاف الجوي والتهطال والإشعاع والرياح فضلاً عن درجة حرارة المحيطات والأنهار وغطاء الجليد البحري. وتستطيع النماذج أن تحاكي خصائص هامة لعدد من الأمثلة المتعلقة بتقلبية المناخ الذي رصد على مدى أطر زمنية. وتضم الأمثلة تقدم وتراجع أنظمة الرياح الموسمية الهامة وتغيّرات درجة الحرارة الموسمية ومسارات العواصف وأحزمة المطر وتأرجح المستوى النصفي الكروي لضغط السطح فوق المداري (الأنماط الحلقية الجنوبية والشمالية). وقد تمت تجربة بعض نماذج المناخ أو متقلبات أخرى تتعلق بها عبر إستخدامها لتوقع حالة الطقس وإجراء التوقعات الموسمية. وتبرهن هذه النماذج عن مهارة في التوقعات المماثلة فتظهر أنها تبين خصائص هامة للدوران العام في خلال الأطر الزمنية الأقصر فضلاً عن خصائص التقلّب الموسمي والحلقي. وتزيد قدرة النماذج على إظهار ذلك وعلى إظهار خصائص المناخ الهامة الأخرى، من ثقتنا بأنها تمثل العملية الفيزيائية الأساسية لمحاكاة تغيّر المناخ في المستقبل. (إن التقييدات في قدرة النماذج على توقع حالة الطقس أبعد من بضعة أيام لا تحد من قدرتها على توقع تغيّرات المناخ على المدى الطويل فضلاً عن أن هذه هي أنواع مختلفة من التوقعات. (راجع السؤال ١.٢)
ويأتي مصدر الثقة الثالث من قدرة النماذج على إظهار خصائص المناخات السابقة وتغيّرات المناخ. واستخدمت النماذج لمحاكاة المناخات السابقة كالإحترار في منتصف زمن الهولوسين منذ ٦٠٠٠ سنة أو العصر الجليدي الأخير منذ ٢١٠٠٠ سنة كحد أقصى (راجع الفصل ٦). ومن الممكن أن تظهر خصائص عديدة، ما يسمح للشكوك بإعادة بناء المناخات السابقة كالمقدار والمثل الواسع المدى للتبريد المحيطي في خلال العصر الجليدي الأخير. وتستطيع النماذج أن تحاكي أيضاً خصائص عديدة رُصدت لتغيّر المناخ من خلال آلة التسجيل. والمثل المعطى هو أنه من الممكن رسم ميل درجة الحرارة العالمية على مر القرن الماضي (الرسم ١) بمهارة كبيرة عندما يتم أخذ العوامل البشرية والطبيعية التي أثّرت على المناخ، بعين الإعتبار. وتظهر النماذج تغيّرات أخرى رُصدت كالتزايد السريع في درجة حرارة الليل أكثر من درجة حرارة النهار فضلاً عن الدرجة الأوسع للإحترار في القطب الشمالي والتبريد العالمي القصير المدى (والإسترداد التالي) التي تلت الإنفجارات البركانية الكبيرة كالتي حدثت في جبل بيناتوبو في العام ١٩٩١ (راجع السؤال ١-٨، الرسم ١). وجاءت توقعات نموذج درجة الحرارة العالمية في خلال العقدين الماضيين على توافق كامل مع المراقبات التالية في خلال تلك الفترة (راجع الفصل ١).
لكن لا تزال النماذج تحتوي على أخطاء كبيرة. وعلى الرغم من أن هذه الأخطاء أكبر على المستويات الأصغر، تبقى المشاكل الهامة على المستوى الأوسع موجودة. فمثلاً، يبقى النقص على صعيد محاكاة التهطال الإستوائي، إي التذبذب الجنوبي/ النينيو وتذبذب مادن جوليان (تغيّر رصد في الرياح الإستوائية والمطر في فترة زمنية تمتد بين ٣٠ و٩٠ يوماً). ويكمن مصدر معظم الأخطاء المماثلة في أن العمليات الهامة على النطاق الصغير لا يمكن أن تظهر بوضوح في النماذج وبالتالي يجب أن تدخل في شكل تقريبي فيما تتفاعل مع خصائص على نطاق أوسع. ويعزى سبب ذلك إلى التقييدات في قوة الحاسوب ولكنه ناتج أيضاً عن التقييدات في الفهم العلمي أو توافر المراقبات المفصلة لبعض العمليات الفيزيائية. وتتصل الشكوك بنقل صورة السحب وإستجابة السحب إلى تغيّر المناخ. وبالتالي، لا تزال النماذج تظهر نسبة حقيقية لتغيّر درجة الحرارة العالمية بسبب تأثير غازات الدفيئة (راجع الفصل ١٠). وعلى الرغم من شكوك مماثلة، تأتي النماذج مجمعة في تنبؤ إحترار المناخ الحقيقي بسبب تزايد غازات الدفيئة ويأتي هذا الإحترار على مدى كبير مع التقديرات المستقلة المتأتية من المصادر الأخرى كتغيّرات المناخ المرصودة وإعادة بناء صورة المناخ السابق.
وبما أن الثقة في التغيّرات التي تظهرها النماذج تقل على المستويات الأصغر، تم تطوير تقنيات أخرى كإستخدام نماذج المناخ الإقليمية أو طرق تخفيض المستوى لدراسة تغيّر المناخ على المستوى المحلي والإقليمي (راجع السؤال ١١.١). تتطور النماذج العالمية وتمسي أكثر وضوحاً، فتصبح هامة للتحقق من الخصائص على المستوى الأصغر كالتغيّرات في أحداث الطقس الكبيرة، ومن المتوقع أن يتحسن نقل الصورة على المستوى الإقليمي مع زيادة قوة الحاسوب. وأصبحت النماذج أكثر شمولية في تعاملها مع نظام المناخ فتظهر بوضوح أكبر عمليات فيزيائية إحيائية وفيزيائية وتفاعلات تعتبر هامة جداً لتغيّر المناخ، خاصة في أطر زمنية أطول. والمثال عن ذلك هو إدخال إستجابة النباتات وتفاعلات المحيط الإحيائية والكيميائية ودينامية طبقة الجليد في بعض نماذج المناخ العالمي.
بإختصار، تأتي الثقة في النماذج من جراء قاعدتها الفيزيائية ومهارتها في إظهار صورة المناخ المرصود وتغيّرات المناخ السابقة. وأظهرت النماذج أنها أدوات هامة للغاية لمحاكاة المناخ وفهمه. وبرزت الثقة بها لأنها قادرة على تقديم تقديرات عددية حقيقية لتغيّر المناخ في المستقبل خاصة على المستويات الأوسع. ولا تزال النماذج تعاني من تقييدات هامة كنقل صورة السحب التي تؤدي إلى شكوك على صعيد المدى والتوقيت فضلاً عن التفاصيل الإقليمية لتغيّر المناخ المتوقع. ولكن على مر عقود عدة من تطوير النموذج، قدمت النماذج صورة كبيرة وواضحة لإحترار المناخ بسبب زيادة غازات الدفيئة.