٣.١.٢ التوزيع المكاني لتغيّرات الحرارة والدوران والمتغيّرات ذات الصلة
إرتفعت حرارة سطح الأرض فوق مناطق اليابسة بوتيرة أسرع من فوق المحيطات في النصفين من الكرة الأرضية. تظهر سجلّات أطول تتوفر اليوم معدّلات إحترار أسرع فوق اليابسة منها فوق المحيطات خلال العقدين الماضيين (حوالي ٠.٢٧ درجة مئوية مقابل ٠.١٣ درجة مئوية في العقد الواحد). {٣.٢}
انتشر الإحترار خلال الأعوام الثلاثين الماضية في الكرة الأرضية كلها وبلغ أعلى المستويات في خطوط العرض الشمالية. حدث أهم إحترار في شتاء النصف الشمالي من الكرة الأرضية (DJF) والربيع (MAM). إرتفع معدّل درجات الحرارة في القطب الشمالي بضعف وتيرة إرتفاعه في بقية أنحاء الكرة الأرضية خلال المئة سنة الماضية. لكن درجات الحرارة في القطب الشمالي تتغيّر كثيراً. شهد القطب الشمالي فترة إحترار أطول من العادة بشكل ضئيل مشابهة للإحترار الحالي بين العامين ١٩٢٥ و١٩٤٥, لكن يبدو أن توزيعها الجغرافي يختلف منذ الإحترار الأخير بما أنها لم تكن عالمية الإتساع. {٣.٢}
تشير البراهين إلى تغيّرات على المدى الطويل في الدوران الواسع النطاق في الغلاف الجوي على غرار الإنتقال نحو القطب وإزدياد قوة الرياح الغربية. يمكن أن تختلف التوجهات المناخية الإقليمية كثيراً عن المعدّل العالمي, ما يعكس التغيّرات في حركات الدوران والتفاعلات للغلاف الجوي والمحيطات وعناصر النظام المناخي الأخرى. بلغت قوة الرياح الغربية في منطقة خطوط العرض الوسطى ذروتها في النصفين من الكرة الأرضية في معظم المواسم بدءاً من العام ١٩٧٩ على أقل تقدير وصولاً حتى نهاية التسعينيات, وتم توثيق إنتقالات نحو القطب للتيارات البحرية الأطلسية والقطبية الجنوبية الأمامية. إزدادت الرياح الغربية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية بين الستينيات والتسعينيات، لكنها عادت وبلغت مستويات قريبة من المعدّل الطويل الأمد. تغيّر قوة الرياح الغربية المتزايدة في النصف الشمالي للكرة الأرضية التدفق من المحيطات نحو القارات, وهي عامل أساسي في التغيّرات الملحوظة في مسارات العواصف في الشتاء وأنماط توجهات التهطال والحرارة ذات الصلة في خطوط العرض الوسطى والعليا. تؤكد تحليلات الهواء ومعدّلات الحر المرتفعة الهامة البراهين التي تعتمد على إعادة التقييم للتغيّرات في العواصف خارج المدارية في النصف الشمالي للكرة الأرضية بدءاً من سجلّات إعادة التقييم في أواخر السبعينيات حتى نهاية التسعينيات. يصاحب هذه التغيّرات توجه نحو دوامات شتوية قطبية أقوى في التروبوسفير والستراتوسفير الدُنيا. {٣.٢, ٣.٥}
يمكن وصف عدد من التغيّرات المناخية الإقليمية من خلال أنماط أفضلية لتقلّبية المناخ, أي على أنها تغيّرات في ورود المؤشرات التي تميز قوة هذه الأنماط ومراحلها. غالباً ما تم رصد أهمية التقلّبات في الرياح الغربية ومسارات العواصف في الشمالي الأطلسي على مر الفترات الزمنية, ويتم وصف تلك التقلّبات من خلال التذبذب الشمال أطلسي (انظر الإطار ٢ لمزيد من الشرح حول هذا الموضوع والأنماط الأفضلية الأخرى). وُصفت خصائص التقلّبات في الرياح الغربية المتوسطة في النصفين من الكرة الأرضية مؤخراً من خلال «أنماطها الحلقية», النمط الحلقي الشمالي (NAM) والنمط الحلقي الجنوبي (SAM). يمكن اعتبار التغيّرات الملحوظة على أنها نقلة الدوران نحو الهيكلية المرتبطة بمؤشر واحد من هذه الأنماط التفضيلية. يمكن الإعتبار أنّ إلى الرياح الغربية المتزايدة عند خطوط العرض المتوسطة في شمال الأطلسي تعكس تغيّرات التذبذب الشمال الأطلسي (NAO) أو النمط الحلقي الشمالي. كما تتضح التقلبية خلال العقود العديدة في الأطلسي وفي الغلاف الجوي وفي المحيط على حد سواء. أما في النصف الجنوبي للكرة الأرضية فترتبط التغيّرات في الدوران المتعلقة بزيادة النمط الحلقي الجنوبي من الستينيات حتى اليوم بإحترار قوي فوق شبه الجزيرة الأطلسية, وإلى مدى محدود, بالتبريد فوق مناطق من أنتاركتيكا القارية. شوهدت تغيّرات أيضاً في التفاعلات ما بين المحيط والغلاف الجوي في الهادئ. إن التذبذب الجنوبي/النينيو هو النمط الطاغي بين أنماط التقلبية العالمية النطاق، وذلك على نطاقات زمنية سنوية بينية، على الرغم من أنه لم يظهر في بعض الأوقات. حدثت نقلة في المناخ في العام ١٩٧٦-١٩٧٧ مرتبطة بتغيّر المراحل في تذبذب الهادئ العقدي (PDO) نحو مزيد من أحداث النينيو وتغيّرات في تطور التذبذب الجنوبي/النينيو, وأثرت على عدة مناطق, ومن بينها معظم الرياح الموسمية المدارية. على سبيل المثال, يبدو أن تغيّرات التذبذب الجنوبي/النينيو والتغيّرات في الهادئ - أميركا الشمالية المرتبطة بالعلاقات عن بعد قد أدّت إلى تغيّرات متناقضة فوق أميركا الشمالية, فيما شهد الجزء الغربي إحتراراً أعلى من الجزء الشرقي الذي أصبح أكثر رطوبة وأكثر سحاباً. هناك تغيّر هام بوتيرة متدنيّة في الغلاف الجوي في قطاع الهادئ خلال القرن العشرين, مع فترات مطوّلة من الدوران الضعيف (١٩٠٠-١٩٢٤, ١٩٤٧- ١٩٧٦) والقوي (١٩٢٥- ١٩٤٦, ١٩٧٧-٢٠٠٣). {٣.٢, ٣.٥, ٣.٦}
الإطار ٢: توجّهات (أنماط) تقلبيّة المناخ
أظهر تحليل تقلبيّة الغلاف الجوي والمناخ أن عنصراً هاماً يمكن أن يكون موضوع وصفٍ من خلال التدفقات في نطاق ومؤشرات الخاصة بعدد محدود نسبياً من أنماط التغيّر التفضيلية. من الأنماط الأكثر شهرة:
- التذبذب الجنوبي/النينيو, وهو تذبذب مزدوج (ENSO) في الغلاف الجوي وفي المحيط الهادئ الإستوائي, مع فترات زمنية تفضيلية تتراوح بين سنتين و٧ سنوات. غالباً ما يتم قياس التذبذب الجنوبي/النينيو من خلال الفرق في شذوذ ضغط السطح بين تاهيتي وداروين و درجات حرارة سطح البحر في منطقة الهادئ الإستوائي الشرقي والمتوسط. والتذبذب الجنوبي/النينيو عالمي النطاق.
- التذبذب الشمال أطلسي (NAO), وهو قياس قوة متدنٍّ في أيسلندا ومرتفع الأزوريس والرياح الغربية بينها بشكل أساسي في الشتاء. كما يرتبط بتدفقات في مسار العواصف والحرارة والتهطال من شمال الأطلسي نحو المنطقة الأوروبية الأسيوية. (الإطار ٢, الرسم ١)
النمط الحلقي الشمالي (NAM), وهو تقلبية شتائية في نطاق نمطٍ يتميز بضغط سطحٍ متدنٍّ في القطب الشمالي ورياح غربية قوية عند خطوط العرض الوسطى. يرتبط بالدوامة القطبية الشمالية وبالتالي بالستراتوسفير.
- النمط الحلقي الجنوبي (SAM), وهو تقلبية نمطٍ يتميز بضغط سطحٍ متدنٍّ في القطب الجنوبي ورياح غربية قوية في خطوط العرض الوسطى, وهو شبيه بالنمط الحلقي الشمالي لكنه موجود على مدار السنة.
- نمط الهادئ – أميركا الشمالية (PNA), نمط موجةٍ واسعة النطاق في الغلاف الجوي, تتميز بسلسلة من الخلل العالي والمتدني الضغط يمتد من غربي الهادئ شبه المداري إلى الشاطئ الشرقي لأميركا الشمالية.
- التذبذب العقدي في الهادئ (PDO), وهو قياس درجات حرارة سطح البحر في شمال الهادئ، ذو إرتباط شديد بقياس مؤشر شمال الهادئ لعمق منخفض الجزر الألوية Aleutian Low. لكنه يمتلك تأثيراً في معظم أرجاء الهادئ.
- يسعى بحث اليوم إلى تحديد إلى أي مدى يمكن اعتبار التقلبية توجّهات التفضيلية هذه كأنماط حقيقية في النظام المناخي. لكن تظهر براهين أن وجودها يمكن أن يؤدي إلى إستجابات إقليمية أوسع نطاقاً لتأثير يفوق التوقعات. يمكن النظر إلى عدد من التغيّرات المناخية الملحوظة في القرن العشرين بالتحديد من خلال التغيّرات في هذه الأنماط. من الهام إذاً إختبار قدرة النماذج المناخية لمحاكاتها (القسم ٤, الإطار ٧) والنظر في مدى ارتباط التغيّرات الملحوظة المرتبطة بهذه الأنماط بالتقلبية الداخلية أو بتغيّر المناخ البشري المنشأ. {٣.٦, ٨.٤}
تتماشى التغيّرات في أقصى درجات الحرارة مع الإحترار. تُظهر المشاهدات إنخفاضاً منتشراً لعدد أيام الجليد في مناطق خطوط العرض الوسطى, وإرتفاعاً في عدد درجات الحر القصوى (١٠% الأكثر حراً من الأيام والليالي), وتراجعاً في عدد درجات البرد القصوى خلال النهار (١٠% الأكثر برداً من الأيام والليالي) (انظر الإطار ٥). طرأت أكثر التغيّرات اللافتة في تراجع عدد الليالي الباردة بين العامين ١٩٥١ و٢٠٠٣ لكل المناطق التي تتوفر عنها البيانات (٧٦% من اليابسة). {٣.٨}
إزدادت فترة موجات الحر بدءاً من النصف الثاني للقرن العشرين. إن موجة الحر القياسية فوق غرب أوروبا وأوروبا الوسطى خلال صيف ٢٠٠٣ هي مثال عن حالة قصوى إستثنائية حديثة. كان ذلك الصيف (JJA) الأكثر حراً منذ بدء التسجيلات الآلية للمقارنة في حوالي العام ١٧٨٠ (١.٤ درجة مئوية فوق أقصى درجة حر سجلت في ١٨٠٧). كان جفاف سطح الأرض خلال الربيع في أوروبا عاملاً هاماً في إحداث الدرجات القصوى في العام ٢٠٠٣. تشير البراهين إلى إزدياد وتيرة موجات الحر أيضاً وطول مدتها في أمكنة أخرى. تؤكد العلاقة الوثيقة جداً بين الجفاف الملحوظ ودرجات الحرارة المرتفعة فوق اليابسة في المناطق المدارية خلال الصيف دور الرطوبة الهام في تعديل المناخ. {٣.٨, ٣.٩}
ما من براهين كافية لتحديد ما إذا كانت التوجهات موجودة في أحداث كالأعاصير والبرد والبرق وعواصف الغبار التي تحدث على نطاق مكاني صغير. {٣.٨}