٢ المسائل الإطارية
التخفيف من تغيّر المناخ والتنمية المستدامة
تظهر علاقة مزدوجة المسار بين تغيّر المناخ والتنمية المستدامة. فمن جهة، يتعرّض المناخ للتغيّر بحسب أنماط التنمية ومستويات الدخل ويتأثر بها كثيراً. وقد تملك القرارات المتعلّقة بالتكنولوجيا والإستثمار والتجارة والفقر وحقوق المجتمع والسياسات الإجتماعية أو الحوكمة، تأثيرات عميقة على الإنبعاثات ومستوى التخفيف المطلوب والكلفة والفوائد الناتجة عنه، وإن بدت كأنها قرارات غير مرتبطة بسياسة المناخ [٢.٢.٣].
ومن جهة أخرى، قد تملك سياسات تغيّر المناخ والتكيّف والتخفيف نفسها تأثيراً إيجابياً على التنمية، أي في جعلها تنمية مستدامة. ما يسمح لنا بإعتبار سياسات تغيّر المناخ ١) سياسات قائمة بذاتها (المناخ أولاً)؛ أو ٢) عنصرٍ من عناصر سياسات التنمية المستدامة (التنمية أولاً). أما وضع تلك السياسات ضمن منظار مشكلة التنمية المستدامة بدلاً من البيئة فقط فقد يؤدي إلى إستجابة أفضل لحاجات الدول، مع الإعتراف بأن قوى الإنبعاثات الدافعة ترتبط بدرب التنمية الأساسي [٢.٢.٣].
وتتطوّر مسارات التنمية نتيجة الصفقات الإقتصادية والإجتماعية المتأثرة بالسياسات الحكومية ومبادرات القطاع الخاص وذوق المستهلك وخياراته. ما يضمّ عدداً واسعاً من السياسات المتعلّقة بحفظ البيئة والأطر القانونية وحقوق الملكية وحكم القانون والضرائب، والتنظيم، والإنتاج، والأمن الغذائي والسلامة، وأنماط الإستهلاك، وجهود بناء القدرات البشرية والمؤسساتية، والبحث والتطوير، وكفاءة الطاقة وخياراتها. وغالباً ما لا تظهر تلك السياسات كجزء من رزمة سياسات تنموية عامة، بل غالباً ما تُوجَّه نحو أهداف سياسية خاصة، مثل معايير تلوّث الهواء والأمن الغذائي والمسائل المتعلّقة بالصحة والحد من إنبعاثات غازات الدفيئة، وزيادة دخل مجموعات محددة أو تنمية صناعات للتكنولوجيا غير المضرة بالبيئة. ولكن، من الممكن أن تتأتى عن تلك السياسات تأثيرات كبيرة على الإستدامة والتخفيف من عامل الدفيئة ونتائج التكيّف. وتنطبق العلاقة المتينة بين التخفيف وتغيّر المناخ والتنمية على الدول النامية والمتقدمة. ويتناول الفصل ١٢ والفصلين ٤ و١١ تلك المسائل بالتفصيل [٢.٢.٥-٢.٢.٧].
حدّدت المؤلفات الحديثة مقاربات منهجية لتحديد علاقات التفاعل بين التنمية المستدامة وإستجابات تغيّر المناخ ووصفها وتحليلها. وإقترح عددٌ من المؤلفين التعامل مع التنمية المستدامة على أنها إطار تقييم مشترك للأوجه الإجتماعية والبشرية والبيئية والإقتصادية. وتكمن إحدى طرق التعامل مع تلك الأوجه في إستخدام عدد من المؤشرات الإقتصادية والبيئية والبشرية والإجتماعية لتقييم تأثيرات السياسات على التنمية المستدامة، بما في ذلك معايير القياس الكمّي والنوعي (توافق عالٍ، أدلة محدودة) [٢.٢.٤].