السؤال ٩-٢ : هل من الممكن تفسير إحترار القرن العشرين عن طريق التقلبية الطبيعية؟
السؤال ٩-٢
هل من الممكن تفسير إحترار القرن العشرين عن طريق التقلبية الطبيعية؟
من المستبعد أن يتم تفسير إحترار القرن العشرين عن طريق الأسباب الطبيعية. وقد كان القرن العشرين الأكثر إحتراراً بشكل غير إعتيادي. وأظهرت إعادة بناء البيانات حول المناخات القديمة أن النصف الثاني من القرن العشرين كان الأكثر دفئاً في السنوات الخمسين الأخيرة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية في خلال ١٣٠٠ سنة الماضية. ويتناسب هذا الإحترار السريع والفهم العلمي لكيفية إستجابة المناخ لإرتفاع سريع في غازات الدفيئة كالذي حصل في القرن الماضي، ولا يتناسب الإحترار والفهم العلمي لكيفية إستجابة المناخ إلى العوامل الخارجية الطبيعية كالتقلبية في التوليد الشمسي والنشاط البركاني. وتقدم النماذج المناخية أدوات مناسبة لدراسة التأثيرات المتعددة على مناخ الكرة الأرضية. وتنتج النماذج محاكاة جيدة للإحترار الذي حصل على مدى القرن الأخير، وذلك عندما يتم تضمين تأثيرات إرتفاع نسب غازات الدفيئة في النماذج فضلاً عن تضمين العوامل الطبيعية الخارجية. وتفشل النماذج في إعادة نقل الإحترار المرصود عندما لا تتضمن سوى العوامل الطبيعية. عندما يتم تضمين العوامل البشرية، تحاكي النماذج مثالاً جغرافياً لتغيّر درجات الحرارة حول الكرة الأرضية وهو أمر مماثل لما جرى في العصور الحديثة. ويختلف النموذج الفضائي هذا وذاك الذي أظهر إحتراراً كبيراً على مستوى المناطق الشمالية العالية، عن أهم نماذج تقلبية المناخ الطبيعي والمتعلق بعمليات المناخ الداخلية كالتذبذب الجنوبي/ النينيو.
تتسبب العمليات الداخلية الطبيعية كالتذبذب الجنوبي/ النينيو والتغيّرات في التأثيرات الخارجية بالتقلبات في مناخ الأرض على مر الزمن. ومن الممكن أن تكون هذه التأثيرات الخارجية طبيعية كالنشاط البركاني والتقلبات في التوليد الشمسي، أو من الممكن أن يتسبب بها النشاط البشري كإنبعاثات غازات الدفيئة والأهباء البشرية المنشأ وثقب الأوزون وتغيّر إستخدام الأراضي. ومن الممكن تقدير الدور الذي تؤديه العمليات الداخلية الطبيعية عبر دراسة التقلبات التي رصدت في المناخ وعبر إرساء نماذج خاصة بالمناخ من دون تغيير أي من العوامل الخارجية التي تؤثر على المناخ. ومن الممكن تقدير تأثير العوامل الخارجية من خلال النماذج عبر تغيير هذه العوامل وعبر إستخدام الفهم الفيزيائي للعمليات المعنية. كما من الممكن تقدير تأثيرات التقلّب الداخلي الطبيعي والعوامل الخارجية الطبيعية بالإعتماد على المعلومات المسجلة حول المناخ في حلقات الشجرة والعينات الجوفية من الجليد القطبي والأنواع الأخرى من ميزان الحرارة الطبيعي قبل العصر الصناعي.
وتضم العوامل الخارجية الطبيعية التي تؤثر على المناخ النشاط البركاني والتقلبات في التوليد الشمسي. وتبعث الفورات البركانية كميات كبيرة من الغبار والهباء الذي يحتوي على نسبة عالية من السلفات في الغلاف الجوي وتحجب الأرض عن الأنظار مؤقتاً وتعكس أشعة الشمس إلى الفضاء. ويملك التوليد الشمسي ١١ دورة في السنة وقد يملك أيضاً تقلبات على المدى الطويل. وتسببت الأنشطة البشرية في السنوات المئة الماضية، خاصة لجهة حرق الوقود الأحفوري، بتزايد سريع في ثاني أكسيد الكربون وأنواع أخرى من غازات الدفيئة الموجودة في الغلاف الجوي. وقبل الثورة الصناعية، كانت تركيزات هذه الغازات مستقرة لآلاف السنوات. وتسببت الأنشطة البشرية أيضاً بتزايد تركيزات الجسيمات العاكسة الدقيقة أو الأهباء في الغلاف الجوي خاصة خلال الخمسينيات والستينيات.
وعلى الرغم من أن عمليات المناخ الداخلية الطبيعية كالتذبذب الجنوبي / النينيو قد تتسبب بتقلبات في درجة الحرارة العالمية لفترات قصيرة بعض الشيء، تشير التحليلات إلى أن جزءاً كبيراً منها مرده إلى العوامل الخارجية. وتلت الفورات البركانية الأساسية كفورة بركان جبل بيناتوبو في العام ١٩٩١ فترات محدودة من التبريد العالمي. وفي الجزء الأخير من القرن العشرين، إرتفعت درجات الحرارة العالمية وإرتفعت أيضاً تركيزات غاز الدفئية وكان التوليد الشمسي يرتفع وخف النشاط البركاني. وفي خلال الخمسينيات والستينيات، ساهم إنخفاض معدّل درجات الحرارة العالمية وإزدياد الهباء من جراء الوقود الأحفوري والمصادر الأخرى، في تبريد الكوكب. وبعث إنفجار جبل أغونغ في العام ١٩٦٣ كميات كبيرة من الغبار العاكس في الغلاف الجوي العلوي. وحدث الإحترار السريع الذي رصد في السبعينيات في فترة سيطر فيها إزدياد غاز الدفيئة على العوامل الأخرى كافة.
وتم إجراء عدد من التجارب بإستخدام نماذج المناخ لتحديد الأسباب التي تقف وراء تغيّر المناخ في القرن العشرين. وتشير هذه التجارب إلى أن النماذج لا تستطيع أن تنقل الإحترار السريع الذي رصد في القرون الماضية عندما تم الأخذ بعين الإعتبار بالتقلّبات في التوليد الشمسي والنشاط البركاني. لكن كما يظهر في الرسم ١، تستطيع النماذج أن تحاكي التغيّرات التي رصدت في القرن العشرين على صعيد درجة الحرارة عندما تضم العوامل الخارجية الأكثر أهمية بما في ذلك الأنشطة البشرية من مصادر، كغازات الدفيئة والعوامل الخارجية الطبيعية. وظهرت الإستجابات التي تم تقديرها في النموذج في هذه العوامل الخارجية في المناخ العالمي في القرن العشرين وفي كل قارة بإستثناء أنتاركتيكا حيث لم يتم إجراء مراقبات كافة. وسيطر تأثير البشر على المناخ على كل أسباب تغيّر معدّل درجة حرارة سطح الأرض العالمية في خلال نصف القرن الماضي.
ويأتي الشك من عدم إكتمال المعرفة في بعض العوامل الخارجية كالهباء البشري المنشأ. فضلاً عن ذلك، تعتبر النماذج المتعلقة بالمناخ غير كاملة. لكن تحاكي النماذج كافة مثلاً عن إستجابة إزدياد غاز الدفيئة المتأتي من الأنشطة البشرية وهو شبيه بالمثل الذي رصد في التغيّر. ويضم هذا النموذج إحتراراً أكبر على الأرض من الإحترار في المحيطات. ويساعد نموذج التغيّر هذا، الذي يختلف عن النماذج الأساسية المتعلقة بتغيّر درجة الحرارة المتصلة بالتقلبية الداخلية الطبيعية، على التفريق تُبيّن الإستجابة إلى غازات الدفيئة وتُبيّن العوامل الخارجية الطبيعية. وتبين النماذج والمراقبات الإحترار في الجزء الأدنى من الغلاف الجوي (التروبوسفير) والتبريد الأعلى في الستراتوسفير. ويشكل ذلك دليلاً على التغيّر الذي يُبيّن تأثير البشر على المناخ. وإذا كان الإزدياد في التوليد الشمسي مسؤولاً عن إحترار المناخ الأخير، فإن كل من التروبوسفير والتراتوسفير يعاني من الإحترار. فضلاً عن ذلك، تساعد الإختلافات في توقيت التأثيرات البشرية والتأثيرات الخارجية الطبيعية على التمييز بين إستجابة المناخ إلى هذه العوامل. وتزيد هذه الإعتبارات من الثقة في أن البشر وليس العوامل الطبيعة كانوا السبب المباشر للإحتباس الحراري الذي رصد على مر السنوات الخمسين الماضية.
وتقدّم التقديرات في درجات حرارة النصف الشمالي من الكرة الأرضية على مر الألفية الأولى والثانية بالإعتماد على ميزان الحرارة الطبيعي كحلقات الشجرة التي تختلف بالعرض أو بالكثافة فيما تتغيّر درجة الحرارة وتسجيلات الطقس التاريخية، دليلاً إضافياً على أنه لا يمكن تفسير الإحترار في القرن العشرين بالإعتماد على التقلبية الداخلية الطبيعية وعوامل التأثير الخارجية الطبيعية. وتزيد الثقة في هذه التقديرات لأن، قبل الثورة الصناعية، كان ممكناً تفسير معظم التقلّب الذي رُصد في معدّل درجات الحرارة في النصف الكروي الشمالي بالتبريد العرضي الذي تسببت به الفورات البركانية الكبيرة والتغيّرات في التوليد الشمسي. ويتناسب التقلّب المتبقي مع التقلبية التي تمت محاكاتها في النماذج المتعلقة بالمناخ في غياب العوامل الخارجية البشرية المنشأ والطبيعية. فيما يبرز شك في تقديرات درجات الحرارة السابقة التي تُظهر أن النصف الثاني من القرن العشرين كان أكثر إحتراراً من فترة الخمسين سنة خلال الـ ١٣٠٠ سنة الماضية. وإن تقلبية المناخ المقدّرة التي تسببت بها العوامل البشرية صغيرة، مقارنة بالإحترار القوي الذي حصل في القرن العشرين.